أميركا تُعيد خلط أوراق التجارة في أميركا اللاتينية

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!


من جديد، تعود الحمائية الأميركية لتفرض كلمتها على التجارة الدولية، وهذه المرة أميركا اللاتينية على الطاولة. فمع فرض إدارة ترامب رسوماً جمركية بنسبة 10 في المئة منذ 2 أبريل نيسان، بدأت تداعيات القرار تمتد في أنحاء القارة، لكن المثير أن معظم بلدان أميركا اللاتينية نالت معاملة «أقل قسوة» من غيرها، والسبب؟ طبيعة صادراتها بناءً على تقرير بي أن بي باريبا الصادر في 30 أبريل نيسان.
فصادرات تلك الدول من المواد الخام والطاقة لم تكن في مرمى نيران «الرسوم المتبادلة» التي استهدفت سلعاً مصنّعة، فيما بقي عامل العجز التجاري لصالح أميركا سبباً إضافياً لتفادي التصعيد. لكن المكسيك حالة خاصة تماماً.

وعلى الرغم من الإعفاءات الجمركية التي يتيحها اتفاقية التجارة بين أميركا وكندا والمكسيك (USMCA)، فإن المكسيك لا تزال تدفع ضريبة اقتصادية باهظة. إذ تُطبق رسوم بنسبة 25 في المئة على السلع غير المشمولة بالاتفاق، خصوصاً السيارات والصلب والألومنيوم، وهي سلع تشكّل نحو نصف صادراتها.والنتيجة؟ يتوقع صندوق النقد الدولي انكماش الاقتصاد المكسيكي بنسبة 0.3 في المئة عام 2025. الضغوط لا تتوقف هنا، فالتباطؤ المرتقب في الاقتصاد الأميركي، مع مخاوف المستثمرين من مفاوضات مضطربة حول اتفاقية التجارة بين أميركا وكندا والمكسيك، يعمّق جراح الاقتصاد المكسيكي، المرهق أصلاً بهشاشته الهيكلية.ورغم كل شيء، هناك مَن قد يستفيد على المدى القصير، قد تجد البرازيل مثلاً فرصاً لتعويض نقص السلع الأميركية في الصين، كما حدث خلال ولاية ترامب الأولى، بفضل التشابه في بنية الصادرات الزراعية بين البلدين.ومع ذلك، فإن التهديد الأكبر ليس في الرسوم نفسها، بل في تداعياتها غير المباشرة، من ضمنها انخفاض أسعار السلع الأساسية، تباطؤ النمو العالمي، وتقلّب الطلب الصيني. وهذا مزيج خطير على اقتصادات تعاني أصلاً هشاشة مالية، وهامشاً محدوداً للسياسات التحفيزية، إذ تواجه دول مثل البرازيل وكولومبيا وتشيلي ضغوطاً تضخمية قد تضطرها إلى جولات جديدة من رفع الفائدة.

المكسيك بشكلٍ خاص 

في عام 2022، بدأ الاقتصاد المكسيكي بوتيرة نمو معتدلة، إذ سجّل معدل نمو قدره 1.5 في المئة في الربع الأول، ثم بدأ بالتراجع بشكل تدريجي ليسجل 1.1 في المئة في الربع الثاني، و0.6 في المئة في الربع الثالث، قبل أن يرتفع قليلاً إلى 1.3 بالمئة في الربع الرابع من نفس العام. هذا الأداء أظهر بعض الديناميكية، لكنه أيضاً كشف عن ضعف الزخم الاقتصادي، إذ لم يكن النمو مستقراً أو متصاعداً.في عام 2023، دخل الاقتصاد المكسيكي مرحلة من التباطؤ الواضح. فقد تراجعت وتيرة النمو إلى 0.7 في المئة في الربع الأول، ثم إلى 0.8 في المئة في الثاني، وواصل الانخفاض إلى 0.5 في المئة و0.4 في المئة في الربعين الثالث والرابع على التوالي. هذا التباطؤ يعكس تحديات هيكلية يعاني منها الاقتصاد، أبرزها ضعف الإنتاجية، وتباطؤ الاستثمار، والاعتماد الكبير على الطلب الخارجي، لا سيما من السوق الأميركية.بحلول عام 2024، دخل الاقتصاد المكسيكي مرحلة أكثر صعوبة. فقد توقف النمو تماماً في الربع الأول (0 في المئة)، ثم تحقق تحسن طفيف في الربع الثاني بنسبة 0.3 في المئة، وتحسنت الأرقام بشكل لافت في الربع الثالث لتصل إلى 0.9%، لكن سرعان ما تبخرت هذه المكاسب في الربع الرابع مع تسجيل انكماش نسبته -0.6 في المئة. هذا الانكماش يُعدّ أول مؤشر صريح على دخول الاقتصاد في دوامة ركود، وربما يعكس تباطؤاً في الاقتصاد الأميركي، وتراجع الطلب الخارجي، إلى جانب استمرار التحديات الداخلية مثل التضخم وضعف الثقة الاستثمارية.خلف هذا المشهد، تبرز مفارقة واضحة…. القارة غير منفتحة كثيراً على التجارة (عدا المكسيك، تمثل الصادرات أقل من 20 في المئة من الناتج)، ولا تعتمد بشكل كبير على السوق الأميركية، كما توضح بيانات صندوق النقد الدولي.. ومعظم صادراتها من السلع الخام لا تزال بمنأى عن الرسوم.لكن الساحة الجيوسياسية تتغيّر، والرهان الحقيقي هو على مدى قدرة أميركا اللاتينية على استغلال إعادة تشكيل سلاسل الإمداد العالمية لتعزيز موقعها التنافسي، بدلاً من الانزلاق إلى هامش جديد من الهشاشة.



‫0 تعليق

اترك تعليقاً