تتحرك الهند بسرعة لتحديد الشركات الأميركية التي تتطلع إلى نقل عملياتها التصنيعية من الصين وجذبها، وذلك للاستفادة من إعادة تنظيم سلسلة التوريد العالمية المتوقعة في قطاعات تشمل الإلكترونيات والألعاب والأدوية، في ظل تصاعد حرب الرسوم الجمركية بين الصين والولايات المتحدة.وتواجه الصين الآن رسوماً جمركية تصل إلى 245 في المئة على الواردات إلى الولايات المتحدة نتيجة لرسومها الانتقامية، وتأتي الرسوم الجمركية الإضافية الأخيرة بعد أن أمرت الصين شركات الطيران التابعة لها بعدم استلام أي شحنات أخرى من طائرات بوينغ رداً على القرار الأميركي السابق بفرض رسوم جمركية بنسبة 145 في المئة على السلع الصينية.
وهذا يعني أن أياً من البلدين غير مستعد للتراجع، ما يشير إلى توترات مطولة، وهي الفترة الزمنية التي يمكن فيها للهند تكثيف تصنيعها للاستفادة من فرص التصدير الجديدة التي أوجدتها رسوم ترامب.
الشركات الهندية تسعى إلى السوق الأميركية
تحرص الحكومة على دعم الشركات الهندية للسعي بقوة نحو السوق الأميركية، وعقدت مؤخراً اجتماعاً مع ممثلي الصناعة لبحث الاستراتيجيات، وفقاً لما ذكرته مصادر مطلعة لصحيفة «ذا إيكونوميك».وتأتي هذه الخطوات قبل مفاوضات افتراضية لاتفاقية التجارة الثنائية بين نيودلهي وواشنطن، والمتوقع أن تبدأ هذا الأسبوع، مع اجتماعات وجهاً لوجه من المرجح أن تبدأ منتصف مايو المقبل.وبدأت الأسواق الهندية تستشعر تأثيراً إيجابياً محتملاً للرسوم الجمركية العالمية التي فرضها ترامب. وقال رئيس قسم الأبحاث في شركة جيوجيت للاستثمارات المحدودة، فينود ناير «في ظل الضعف العالمي، أبدى السوق الهندي شعوراً إيجابياً طفيفاً، متوقعاً أن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين لن تضر بالهند، بل ستعود عليها بالنفع، حيث تكون أهمية الهند المتزايدة بالنسبة للولايات المتحدة بينما تجد الولايات المتحدة أن أوروبا تنفر منها، بينما تسعى الصين جاهدةً لكسب ود دول جنوب شرق آسيا، قد تبرز الهند كدولة لا غنى عنها في عقيدة ترامب التجارية، فهي الاقتصاد الرئيسي الوحيد الذي يتمتع بكبر حجمه، وشكوكه تجاه الصين، واستقلاليته عن الولايات المتحدة تجعله شريكاً ومحوراً في آنٍ واحد».وجاء قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالتعليق لمدة 90 يوماً عن فرض الرسوم الجمركية الجديدة، يمنح فرصة لشركاء الولايات المتحدة وتمنع شحن المنتجات الصينية وترفع رسومها الجمركية على الصين، ما يجعل السوق الأميركي منفتحاً على أسواق مختلفة، بينما تواجه الهند ضغوطاً لتنويع تجارتها وتعزيز صادراتها، إذ ترى في ذلك فرصةً للحصول على منفذ ملائم مع تأكيد مصالحها الوطنية. أيضاً من خلال تعميق العلاقات مع الدول المحيطة بالصين -مثل الهند وفيتنام وكوريا الجنوبية واليابان- يأمل فريق ترامب في تطويق بكين اقتصادياً دون الحاجة إلى تحالفات تقليدية، حيث يؤكد رفض الهند لشركات صينية مثل «بي واي دي»، إلى جانب مغازلتها لشركة تسلا والولايات المتحدة، هذا التوافق الهادئ والمدروس.وقال أميتاب كانت، الرئيس التنفيذي السابق لهيئة «نيتي أيوغ»: «إن انهيار الهياكل الاقتصادية القديمة يفتح آفاقاً جديدة، ولدى الهند فرصة للظهور كقوة صناعية رقمية مرنة وبديلة، مع تساؤلات اللاعبين العالميين حول اعتماد الصناعة التحويلية على الصين على المدى الطويل، يمكن للهند أن تستفيد من تنويع سلسلة التوريد الاستراتيجي، ولكن يجب عليها التحرك بسرعة وحزم».
الاستفادة من الهند مع ظهور فرص تصديرية جديدة
وبدأت وزارة التجارة والصناعة في الهند العمل على تحديد فرص التصدير الناجمة عن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، رغم تصريح مسؤولين بأن مهلة التسعين يوماً الممنوحة للمصدرين الهنود ستمنحهم ومشتريهم في الخارج وقتاً لتقاسم عبء الرسوم الجمركية الإضافية البالغة 10 في المئة مع المستهلكين، وفقاً لما أوردته وكالة أنباء الهند (ET). وتتفاوض الهند بالفعل على اتفاقية تجارية ثنائية مع الولايات المتحدة، على أن تُنجز الدفعة الأولى منها بحلول سبتمبر أيلول وأكتوبر تشرين الأول.وحددت الهند ما لا يقل عن 10 قطاعات، بما في ذلك الملابس وإكسسوارات الملابس والمواد الكيميائية والبلاستيك والمطاط، حيث تمنح التعريفات الجمركية الأميركية المرتفعة نيودلهي ميزة تنافسية في السوق الأميركية على الموردين الآخرين، لأن الفكرة هي الاستفادة من الميزة في هذه القطاعات، والتي تشمل أيضاً المركبات، بخلاف السكك الحديدية والوقود المعدني والأدوية، في الأشهر المقبلة للتعويض عن الخسارة في الفئات المتأثرة بالتعريفات الجمركية المرتفعة.وقال مسؤول هندي «يظهر تقييمنا الداخلي أنه من بين أكبر 30 واردة إلى الولايات المتحدة، تتمتع الهند بميزة تنافسية في الثلث أو ما يقرب من 10 منتجات، ونطاق أكبر للحصول على حصة أكبر في السوق الأميركية».ويظهر تحليل «نيتي أيوج» أن حصة الصين من واردات الملابس الأميركية تبلغ 25 في المئة، مقارنة بـ3.8 في المئة للهند، ما يترك فرصة كبيرة للهند مع الفارق الكبير في التعريفات الجمركية.وتستورد الولايات المتحدة إلكترونيات بقيمة 900 مليار دولار، وتمثل حصة الصين منها أكثر من 50 في المئة مقابل 7 في المئة للهند، ما يتيح لنيودلهي فرصةً لزيادة شحناتها.وأفاد مركز أبحاث «GTRI» بأن فرض الولايات المتحدة رسوماً جمركية باهظة على الصين قد يُعزز تنافسية المنتجات الهندية من قطاعات مثل المنسوجات والجلود والهندسة والإلكترونيات.أما بالنسبة إلى صادرات أجهزة الآيفون والهواتف الذكية والأجهزة اللوحية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة من الهند إلى الولايات المتحدة، فستكون أرخص بنسبة 20 في المئة مقارنةً بتلك التي تُشحن من الصين بعد الإعفاءات التي منحتها إدارة ترامب. وعدّلت الحكومة الأميركية أمرها الجمركي لإعفاء الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة وبعض الأجهزة الإلكترونية الأخرى من الضرائب الجديدة.