تسعى إيران إلى إعادة صياغة اتفاق نووي محتمل مع الولايات المتحدة، بلغةٍ تُغازل صورة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المفضلة: «صانع الصفقات الأبرز».
ترى إيران أن الحرب معها ستكلف الولايات المتحدة أموالاً طائلة، بينما يمكن للدبلوماسية أن تفتح أبواب الازدهار الاقتصادي.
ويقول إسفنديار بطمنغليج، الرئيس التنفيذي لمؤسسة «بورصة وبازار» للأبحاث الاقتصادية، إن المسؤولين الإيرانيين يعرضون الاتفاق المحتمل كفرصة تجارية تتماشى مع أولويات ترامب، مثل الرسوم الجمركية ومبدأ المعاملة بالمثل اقتصادياً، وأضاف: «يدركون أن ترامب يحب الصفقات، وهم يفهمون تماماً أنه يريد اتفاقات يمكنه تسويقها على أنها فوز للاقتصاد الأميركي».وقد أجرت إيران والولايات المتحدة ثلاث جولات من المحادثات غير المباشرة، بوساطة سلطنة عمان، كان آخرها السبت الماضي، وشملت مناقشات فنية حول تفاصيل الاتفاق المحتمل، وأعرب الطرفان عن تفاؤلهما.تغيير حسابات ترامبلطالما انتقد ترامب الاتفاق النووي المبرم عام 2015، واصفاً إياه بأنه «الأسوأ وأحاديّ الجوانب في تاريخ الولايات المتحدة»، وانسحب منه رسمياً في 2018، فقد كان الاتفاق يرفع فقط العقوبات الثانوية (المفروضة على الشركات غير الأميركية)، بينما بقيت العقوبات الأساسية التي تمنع الشركات الأميركية من التعامل مع إيران سارية.وحتى بعد توقيع الاتفاق، بقيت الشركات الغربية مترددة في دخول السوق الإيرانية، رغم أن وزارة الخزانة الأميركية كانت تصدر تراخيص محدودة للتجارة الإنسانية، لكن أغلب الأنشطة التجارية بقيت محظورة.تحاول إيران الآن تغيير معادلة ترامب، وتُصوّر الصفقة على أنها مكسب اقتصادي للطرفين، حتى أن عراقجي لمّح إلى إمكانية منح الولايات المتحدة إمكانية الوصول إلى برنامجها النووي السلمي الذي يُعد رمزاً للسيادة الوطنية الإيرانية.وكتب هذا الأسبوع على منصة X: «خطتنا طويلة الأمد هي بناء ما لا يقل عن 19 مفاعلاً نووياً إضافياً، ما يعني عقوداً بمليارات الدولارات يمكن أن تسهم في إنعاش الصناعة النووية الأميركية المتعثرة».وحسب شركة «Mordor Intelligence»، فإن السوق الإيرانية تمثل فرصة غير مستغلة، حيث يبلغ عدد سكان البلاد نحو 90.6 مليون نسمة، أكثر من 60% منهم تحت سن 35 عاماً.وقدّرت مؤسسة «ماكينزي للأبحاث» بعد اتفاق 2015 أن إيران يمكن أن تضيف تريليون دولار إلى ناتجها المحلي الإجمالي، وتخلق 9 ملايين وظيفة خلال 20 عاماً إذا أجرت إصلاحات هيكلية واستقطبت الاستثمارات.في عام 2024، بلغ الناتج المحلي الإجمالي لإيران 434 مليار دولار، لكنه يرتفع إلى 1.7 تريليون دولار عند احتسابه على أساس تعادل القوة الشرائية، ما يعكس الفرق الكبير بين حجم الاقتصاد من الداخل والخارج بسبب ضعف العملة والعقوبات.ويقول بيجان خاجه بور، الشريك الإداري لشركة «Eurasian Nexus Partners»، إن هذه الفجوة تمثل الفرصة الحقيقية للشركات الدولية التي يمكنها المساهمة في سدها والاستفادة منها.عقبات أمام الشركات الأميركيةلكن الواقع يُظهر أن دخول السوق الإيرانية ليس سهلاً، فالعقوبات الأميركية تنقسم إلى نوعين: تلك المرتبطة بالبرنامج النووي، وتلك المتعلقة بالإرهاب، وتُصنّف واشنطن إيران كدولة راعية للإرهاب، وتعتبر الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية أجنبية.حتى في حال نجاح المفاوضات النووية، فإن العقوبات المرتبطة بالإرهاب ستظل قائمة، ما يعني أن الشركات الأميركية ستحتاج إلى تراخيص خاصة من مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) لممارسة أي نشاط تجاري هناك.ويُضاف إلى ذلك توسّع نفوذ الحرس الثوري في الاقتصاد الإيراني، خاصة منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق السابق، حيث زاد الحرس من تدخله في قطاعات مثل البناء والمصارف والاتصالات والنفط.ويقول خاجه بور «إن ملكية اللاعبين الاقتصاديين تحوّلت من الحكومة إلى ما نطلق عليه الكيانات شبه الحكومية، وبعضها يخضع لعقوبات، ما يضع الشركاء الأجانب أمام مخاطر كبيرة».ويضيف أن عقوداً من الحروب والعقوبات والركود الاقتصادي، فضلاً عن الفساد وتعقيدات ثقافة الأعمال الإيرانية، تجعل بيئة الاستثمار هناك «معقدة للغاية».فرص تتجاوز العقباتبعد توقيع اتفاق 2015، بادرت شركات غربية مثل بوينغ وتوتال وبيجو ونستله إلى دخول السوق الإيرانية، وقد أبرمت بوينغ عقداً بقيمة 16 مليار دولار مع «إيران إير» لبيع 80 طائرة، لكن تم إلغاؤه لاحقاً بعد أن ألغت الحكومة الأميركية الترخيص خلال ولاية ترامب.ويقول خاجه بور إنه في حال تذليل العقبات، فإن التجارة قد تُستأنف، ليس فقط عبر بوينغ، بل في قطاعات مثل النفط والغاز والمعادن النادرة والاقتصاد الرقمي والعمالة المتعلمة.ويقترح بطمنغليج أن يتم تكرار الآلية التي سمح بها اتفاق 2015، والتي مكّنت الشركات التابعة أميركياً (لكن غير الخاضعة للقانون الأميركي مباشرة) من العمل في إيران ضمن شروط صارمة.ويضيف أن هناك فارقاً كبيراً هذه المرة، وهو أن دول الخليج الحليفة لواشنطن تدعم الاتفاق النووي، وتُبدي استعداداً للتعاون الاقتصادي مع إيران، على عكس الموقف السلبي الذي اتخذته تلك الدول بعد توقيع الاتفاق السابق.ويرى أن واشنطن يمكنها الدخول إلى السوق الإيرانية بشكل غير مباشر عبر الشركات الأميركية العاملة من مقارها الإقليمية في الخليج.لكن الحذر لا يزال سيد الموقفومع ذلك، يُحذر بطمنغليج من أن كل هذا غير ممكن إذا استمرت الشركات في التردد، خاصة في ظل الشكوك المتواصلة حول استدامة أي اتفاق جديد، بعد انسحاب ترامب من الاتفاق السابق.وقال: «رغم كل إرث الفشل الذي خلّفه انهيار اتفاق 2015، هناك أدوات يمكن استخدامها لصياغة حل يُرضي الطرفين، وإذا كانت هناك جدية في جعل الاتفاق يحقق فائدة اقتصادية للولايات المتحدة، فإن ذلك ممكن».ويختتم بالقول: «لا تزال هناك طبقة وسطى في إيران تتطلع لشراء السلع المستوردة، وسترحب بعودة المنتجات الأميركية إلى السوق».