أمضى الرئيس الأميركي دونالد ترامب أول مئة يوم من فترته الثانية يقود اقتصاداً من قمة العالم إلى حافة الهاوية، مهدداً سمعة أميركا كملاذ مالي آمن، ومُغذّياً الخوف بين الناخبين الذين فقدوا ثقتهم في قيادته.
يحاول ترامب إجراء أكبر إصلاح جذري للاقتصاد الأميركي والعالمي منذ أجيال، مُصراً على قدرته على إعادة إحياء العصر الذهبي للاقتصاد الأميركي، في أواخر القرن التاسع عشر، باستخدام تعريفات جمركية «جميلة» لسحق المنافسين التجاريين.
لكن الرئيس الذي لعب الغولف بينما كانت حسابات التقاعد للعاملين تتدهور في سوق المال، بدا في كثيرٍ من الأحيان غير مبالٍ بالمخاوف المتزايدة للأميركيين من عمالقة الأعمال إلى المتسوقين العاديين الذين يشهدون تأثير سياساته بشكل مباشر خلال أول 100 يوم من ولايته، والتي سيحتفل بها غداً الثلاثاء.تبخرت تريليونات الدولارات من أسواق الأسهم، وقلصت شركات الطيران رحلاتها، وتراجعت الشركات الكبرى عن توقعاتها السنوية، وتوقف بعض تجار التجزئة عن بيع السلع المصنوعة في الصين في الولايات المتحدة بسبب الرسوم الجمركية.خفّض صندوق النقد الدولي توقعات النمو الأميركي، ويقول مجلس الاحتياطي الفيدرالي إن بعض الشركات توقفت عن التوظيف، وأخبر الرئيس التنفيذي لشركة وول مارت ترامب أن سياساته ستؤثّر سلباً في سلسلة التوريد بحلول الصيف.في إشارة تحذيرية من احتمال الانزلاق نحو الركود، انخفضت ثقة المستهلك بشكلٍ حاد، ووصلت في أبريل إلى رابع أدنى مستوى لها منذ عام 1952.وقد سجّل مؤشر الخوف والجشع لشبكة CNN، الذي يقيس مشاعر الأسواق، «خوفاً» أو «خوفاً شديداً» خلال الشهر الماضي.
القوة الأميركية
منذ عودته إلى المكتب البيضاوي، اعتمد الرئيس سياسة تجارية موضع شك قانوني ودستوري، إذ أعلن حالة طوارئ وطنية مُطلقاً العنان لصلاحياته لشن حرب تعريفات جمركية.وهو الآن يمارس سلطة واسعة وغير خاضعة للمساءلة لاختبار نظريته التي راودته طوال حياته، وهي أن الولايات المتحدة، أغنى دولة في العالم، قد تعرضت للنهب من قِبل جميع الدول الأخرى.ويسهم مزاج الرئيس المُتقلّب واعتقاده بأنه يمتلك عقلاً اقتصادياً أكثر حدة من أولئك الذين تُناط بهم مهمة حماية الوظائف ومكافحة التضخم في دفع الاقتصاد الأميركي إلى حافة الهاوية.على سبيل المثال، شوّهت هجماته على رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، صورة أميركا كصخرة الاستقرار في الاقتصاد العالمي.يطالب ترامب بتخفيضات كبيرة في أسعار الفائدة رغم تحذير العديد من الخبراء من أن هذا قد يؤدي إلى ارتفاع التضخم، المتوقع بالفعل ارتفاعه بسبب رسومه الجمركية.وقد كرهت الأسواق تدخله، ولعل هذا أحد أسباب تخفيفه، على الأقل في الوقت الحالي، لتهديداته بإقالة رئيس البنك المركزي.كما يُصعّد ترامب من مواجهة خطيرة مع الصين، مُطلقاً حرباً اقتصادية شاملة مع منافس أميركا الرئيسي في القرن الحادي والعشرين، الأمر الذي يحمل تداعيات جيوسياسية هائلة.اللافت للنظر في هذه العاصفة المتصاعدة أنها ليست نتاج دورات اقتصادية، أو صدمة اقتصادية خارجية، أو هجوم إرهابي، أو قضاء وقدر كجائحة أو كارثة طبيعية، بل هي كلّها من تدبير رئيس أميركي يتبنى، عن علم، سياسات يتوقع معظم المراقبين الاقتصاديين المطلعين أنها ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار وتباطؤ النشاط الاقتصادي.الأمر لا يقتصر على ما يفعله ترامب، بل يتعلق أيضاً بكيفية قيامه بذلك.لقد فرض وأوقف وعدّل تعريفات جمركية بشكل عشوائي، ما خلق حالة من عدم اليقين التي قد تُسبب ركوداً اقتصادياً.زعم ترامب في مقابلته مع مجلة تايم بالأمس أنه أبرم بالفعل 200 صفقة تجارية، وأن فريقه يُجري محادثات مع الصين، التي تواجه تعريفة جمركية بنسبة 145 في المئة أوقفت فعلياً التجارة بين الغريمين.لم تعلن اي دولة أخرى عقد صفقات، وتُنكر بكين وجود أي اتصالات مع الولايات المتحدة، ولا تُبدي أي نية للتراجع أمام ترهيب ترامب.
أسوأ 100 يوم
أعلن الرئيس «يوم التحرير» في حديقة البيت الأبيض في الثاني من أبريل، واستعرض ببهجة قائمة معدلات الرسوم الجمركية لعشرات الدول على ملصق كبير، ولكن في غضون ساعات من دخول الرسوم الجمركية المتبادلة حيز التنفيذ، أوقفها ترامب فجأة لمدة 90 يوماً، بفعل النشاط المُقلق في أسواق السندات الذي أوحى بفقدان المستثمرين ثقتهم بالاقتصاد الأميركي.مع ذلك، أشاد مسؤولوه، بالقرارين: فرض التعريفات وتأجيلها.لقد كان ارتباك الإدارة الأميركية صادم لملايين الأميركيين.بعد فوزه بأغلبية الأصوات في نوفمبر، انخفضت نسبة تأييد ترامب إلى 41 في المئة، وهي الأسوأ بين جميع الرؤساء في أول 100 يوم له منذ 70 عاماً، وفقاً لاستطلاع رأي أجرته CNN/SSRS.ويُفاقم تدهور الموقف السياسي للرئيس الضغوط لتحقيق نتائج تبرر الصدمة الهائلة والأضرار التي ألحقها بالاقتصاد.تتوقع الإدارة الأميركية أن تبدأ قريباً إعلان سلسلة من الصفقات التجارية مع دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي، ونظراً لأن التفاوض على مثل هذه الاتفاقيات يستغرق عادةً سنوات، ويتطلب تصديقاً من الهيئات التشريعية الأجنبية في الدول الديمقراطية، فمن المرجح أن تكون النتائج أقل بكثير من ثورة التجارة العالمية التي تتوقعها الإدارة. لكن من المرجح أن يُشيد ترامب بأي صفقات باعتبارها إنجازات استثنائية.وإذا لم تُلبِّ هذه الصفقات هدفه المتمثل في إحداث نقلة نوعية في التجارة العالمية، فقد تُهدئ الأسواق وتُرسِّخ مكانة الرئيس السياسية، وتُعيد إليه أسطورة صانع الصفقات.
ارتفاع الأسعار
حتى لو نجح ترامب، فإن نهجه يعني على الأرجح ارتفاع الأسعار على الأميركيين بشكل عام، في تضاد مع الرسالة التي وجّهها إلى الناخبين في نوفمبر الماضي.ويُصرّ ترامب على أن الاثر السلبي للتعريفات الجمركية سيُعوّض بمشروع قانون ضخم لتخفيض الضرائب، ولكن هذا لم يتم حتى الآن.